Skip to main content

حرائق جبال اللاذقية السورية 2025

سها خضور

كيف نتخلص من هذا الكابوس
تحديات وحلول

 |  Human & Health

الملخص

يستعرض هذا المقال مشكلة حرائق الغابات المتكررة في جبال اللاذقية بسوريا، ويحلل الأسباب الجذرية والمباشرة لهذه الظاهرة، بما في ذلك تدهور منظومة الحماية الحراجية، تحديات ما بعد الحرب، العوامل الاقتصادية والاجتماعية، العوامل الطبيعية، مخلفات الحرب، والعوامل البشرية المشبوهة. كما يقدم المقال استعراضًا للتجارب العالمية الناجحة في مكافحة الحرائق، ويطرح تحديات خاصة بسوريا، مقترحًا استراتيجيات قصيرة الأمد وطويلة الأمد للتعامل مع هذه الأزمة. يهدف المقال إلى تقديم تحليل شامل ومقترحات عملية تسهم في الحد من هذه الكوارث البيئية.

الكلمات المفتاحية: حرائق الغابات، سوريا، اللاذقية، إدارة الكوارث، حماية البيئة، حلول مستدامة.

1. المقدمة

تواجه سوريا في الوقت الراهن واحدة من أكبر موجات الحرائق في تاريخها، حيث تلتهم النيران مساحات شاسعة من الغابات والأحراج في جبال اللاذقية وطرطوس وحماة. وفيما لا تزال الحرائق مشتعلة حتى تاريخ إعداد هذا التقرير، تبذل فرق الدفاع المدني السورية والفرق المدنية من المتطوعين والأهالي، وكذلك فرق الدعم من الأردن، والدعم الجوي من لبنان والأردن وتركيا كل الجهود الممكنة ضمن الموارد المتوفرة للحد من تمدد وتوسع الحرائق التي تلتهم كل ما تصادفه في طريقها فتحيل ما كان منذ أيام نماذج لجنان بكر إلى رماد ودخان.

إن تكرار هذه الظاهرة يستدعي تحليلًا معمقًا لأسبابها ونتائجها، ووضع استراتيجيات فعالة للوقاية والمكافحة. يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل شامل لأسباب حرائق الغابات في جبال اللاذقية، واستعراض التجارب العالمية في هذا المجال، وتقديم مقترحات حلول عملية تتناسب مع السياق السوري.

2. تطور الحرائق في سوريا عبر  العقدين السابقين

2.1. الإحصائيات التاريخية

ليست هذه المرة الأولى التي تستعر فيها الحرائق في هذه المناطق، ففي الأعوام السابقة تم تسجيل العديد من الحرائق كما هو موضح في الجدول التالي:

جدول 1: إحصائيات الحرائق في سوريا (2010-2025)

السنة

المناطق المتضررة

المساحة المحترقة

أبرز الأحداث

2010-2023

مختلف المناطق

المجموع التراكمي أكثر من 200,000 هكتار

حرائق متكررة للمساحات الأكبر من 30 هكتار

2025

اللاذقية، طرطوس، حماة

أكثر من 10,000 هكتار (حتى الآن)

أكبر موجة حرائق حتى الآن، بمشاركة طائرات بعمليات الإطفاء من تركيا والأردن ولبنان

المصدر: San-Miguel-Ayanz et al., 2024 [1].

3. الأسباب الجذرية للحرائق

3.1. تدهور منظومة الحماية الحراجية

كانت في كل مديرية زراعة ما يُسمى دائرة الأحراج، وكانت مهمتها الحفاظ على الغابات الحراجية بصفتها ملكاً للدولة. كان يتعين عليها إنشاء مخافر حراجية وتعيين حراس للحراج لحمايتها من التعديات، وكذلك إنشاء خطوط النار ضمن الحراج والغابات لضمان سهولة الوصول إلى العمق في حالات الحرائق. ووفق قانون الحراج في كل نسخة صدرت وآخرها القانون رقم 6 لعام 2018 الخاص بتنظيم واستثمار المناطق الحراجية فإن من واجب الخفير منع التعديات على الغابة والأحراش وأي غطاء نباتي أخضر. ولكن الفساد والمحسوبيات الذي كان سائدًا سحب هذه الصلاحيات من الموظفين وصار القانون حبرًا على ورق.

3.2. تحديات ما بعد الحرب

أدى سحب صلاحيات الخفراء والموظفين إلى تناقص الضبوط إلى حد كبير، بالإضافة إلى عدم اتخاذ العقوبات اللازمة بحق المخالفين [2]. كما أن ضعف الإمكانيات الفنية للآليات وأجهزة الاتصال اللاسلكية المستخدمة من قبل هذه المخافر بسبب الحصار أخرج معظمها من الخدمة.

3.3. العوامل الاقتصادية والاجتماعية

مع تفاقم أزمات الوقود المتكررة خلال السنوات السابقة والحصار الاقتصادي والوضع المعيشي السيء، أصبحت الأحراج هي المصدر الأسهل والأكثر توفراً لحطب التدفئة، وعمليات التفحيم العشوائية مما يشكل سببًا في نشوب الحرائق في هذه الأحراج.

4. تصنيف الأسباب المباشرة للحرائق

4.1. العوامل الطبيعية

  • ارتفاع درجات الحرارة واشتداد الرياح: مما يسرع انتشار النيران.
  • التضاريس الوعرة: خاصة في جبال التركمان والفرنلق التي تعيق وصول فرق الإطفاء.
  • جفاف الغابات: بسبب موجة الجفاف غير المسبوقة في سوريا.

4.2. مخلفات الحرب

  • انتشار الألغام والمتفجرات: في المناطق الجبلية، مما يزيد خطر الانفجارات ويعيق عمل الفرق [11].
  • إهمال صيانة الغابات: خلال سنوات الحرب، وعدم تطبيق القوانين الخاصة بحماية الأحراج.

4.3. عوامل بشرية مشبوهة

  • الإشعال المتعمد: اتهامات من ناشطين محليين بتعمد إشعال الحرائق لتخريب الغابات أو تهجير السكان [2].
  • عمليات التفحيم العشوائية: بغية الحصول على المال [2].
  • افتعال الحرائق بغية الاستيلاء: على مساحات شاسعة من الأراضي المحروقة لضمها إلى الأملاك الشخصية [2].

5. التجارب العالمية الناجحة في مكافحة الحرائق

5.1. التدخل الجوي السريع (نموذج كندا والولايات المتحدة)

تُستخدم الطائرات المروحية والطائرات الكبيرة المخصصة لإطفاء الحرائق مثل طائرات “DC-10″ و”سوبرتانكر” لإلقاء كميات كبيرة من الماء أو المواد الكيميائية المثبطة للنيران. هذه الطريقة فعالة في المناطق الوعرة حيث يصعب الوصول برًا. في السياق السوري، تم استخدام طائرات من تركيا والأردن ولبنان، ولكن يبدو أنه تم استخدام المروحيات لنقل الماء فقط [3].

5.2. إنشاء خطوط النار (نموذج أستراليا)

تقوم فرق الإطفاء بإنشاء خطوط نار (Firebreaks) عن طريق إزالة النباتات والأشجار في مسارات محددة لمنع انتشار النيران. هذه الطريقة مفيدة في المناطق الغابية الكثيفة مثل غابات اللاذقية. التحدي في سوريا هو وجود الألغام ومخلفات الحرب التي تعيق إنشاء هذه الخطوط بسرعة في الوقت الحالي. حل مقترح يعد من أفضل أنظمة خطوط النار الطبيعية هو زراعة الصبار، وهذا النبات ينمو بسهولة في الساحل السوري.

5.3. نظم الإنذار المبكر والتكنولوجيا (نموذج إسبانيا والبرتغال)

استخدام الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة (الدرونز) للكشف المبكر عن الحرائق وتحديد بؤرها بدقة. هذه الأنظمة تساعد في توجيه فرق الإطفاء بسرعة [4]. التطبيق المقترح هو إعادة تفعيل مخافر الأحراج وإنشاء مركز الكشف المبكر عن الحرائق وتدريب العاملين على هذه الأنظمة.

5.4. التعاون الإقليمي والدولي (نموذج الاتحاد الأوروبي)

يوجد في الاتحاد الأوروبي آلية “كوبرنيكوس” للاستجابة للكوارث، حيث تقدم الدول الأعضاء مساعدات عاجلة مثل الطائرات وفرق الإطفاء [6]. الإمكانية السورية هي تعزيز التعاون مع الدول المجاورة مثل تركيا والأردن والمنظمات الدولية، لكن ذلك يتطلب اشتراكًا لسوريا في مثل هذه الآلية.

5.5. إشراك المجتمع المحلي (نموذج إندونيسيا)

في إندونيسيا، يتم تدريب المجتمعات المحلية على منع الحرائق ومكافحتها، خاصة في المناطق الريفية [7]. هذا النهج يمكن تطبيقه في القرى السورية لزيادة الوعي وتقليل الحرائق الناتجة عن العوامل البشرية. المطلوب هو تفعيل القانون الخاص بالتعدي على الأحراج ومحاسبة المخالفين ممن يقومون بالتفحيم أو الاستيلاء على المساحات المحروقة.

5.6. إعادة التشجير والاستعداد للمستقبل (نموذج البرازيل)

بعد حرائق الأمازون، أطلقت البرازيل برامج لإعادة تشجير المناطق المحترقة وزراعة أنواع نباتية مقاومة للحرائق [8]. وهناك تجارب مماثلة في سوريا مثل ضهر القصير.

6. التحديات الخاصة بسوريا

جدول 2: التحديات الرئيسية ومقترحات الحلول

التحدي

الوصف

الحل المقترح

الألغام ومخلفات الحرب

تعيق وصول فرق الإطفاء وتزيد المخاطر

إزالة الألغام بالتعاون مع المنظمات الدولية

التغير المناخي

موجات الجفاف وارتفاع الحرارة

نظم الإنذار المبكر والتكيف مع التغيرات

نقص الموارد

افتقار للمعدات الحديثة والتمويل والكفاءات

التعاون الدولي وبناء القدرات

نقص الوعي

البحث عن مصادر الدخل بغض النظر عن العواقب، وعدم إدراك خطورة ظاهرة التدخين في الأماكن الحراجية، واستخدام هذه الأماكن كمكيات مفتوحة للنفايات.

حملات التوعية والتدريب المجتمعي وفرض ثقافة الوعي البيئي كأسلوب حياة وطوق نجاة للعبور إلى بيئة سورية متجددة.

ضعف القانون

عدم تطبيق القوانين ومحاسبة المخالفين

تفعيل آليات المحاسبة والشفافية، والتشدد في تنفيذها واعتبار المخالفات المتعمدة جرائم جنائية بحق الأرض والشعب السوري.

7. الاستراتيجيات قصيرة الأمد

7.1. تقنية الحواجز المائية

تُستخدم تقنية الحواجز المائية أو البرك المبطنة بالبلاستيك أو “Bunded Water Ponds / Lined Earth Dams” بشكل شائع في إدارة المياه ومكافحة الحرائق [9].

المزايا:

  • تكلفة منخفضة مقارنة بالخزانات الخرسانية.
  • مرونة في التركيب حتى في التضاريس الوعرة.
  • مقاومة للتسرب والتآكل.
  • منع تبخر المياه بسرعة في المناطق الحارة.

المخاطر:

  • احتمالية تلف البطانة بفعل الحرارة أو الحجارة الحادة.
  • تحتاج إلى صيانة دورية.

7.2. نظام الحماية الطبيعية

نشر أعداد كبيرة من الدجاج والكلاب: الدجاج لينمو بشكل طبيعي ويتكاثر ضمن الأحراج، فتستفيد الأرض من مخلفاته كسماد وتصبح هذه الأحراج كمداجن مفتوحة تولد البيض الطبيعي لاحقًا. وأما الكلاب فهي حارس أمين تمنع المعتدين من الدخول إلى المحميات ونظام إنذار مبكر لأي حريق.

7.3. مبادرة المشاركة المجتمعية

بالرغم مما تعانيه سوريا من مواسم جفاف وقلة مياه الأمطار، إلا أن قنينة ماء واحدة في يد كل واحد منا يمكن أن تصنع المعجزات. المقترح هو:

  • حمل كل شخص قنينة ماء صغيرة عند مغادرة المنزل.
  • قنينة ماء كبيرة لكل من يستقل سيارة.
  • عند مصادفة أول شجرة يقوم بإفراغ الماء عليها.
  • فرض على كل تلميذ أو موظف أن يقوم بإفراغ محتوى قنينة ماء على سقاية نبتة أو شجرة قبل دخوله إلى مدرسته أو مكان عمله.

هذه التجربة نجحت في الصين عندما طلب من كل سائق شاحنة أن يحمل معه غالون ماء ويقوم بسقاية شجرة على طريق السفر في الصحراء، مع الزمن تحولت الصحراء إلى غابة.

8. الخلاصة والتوصيات

إن الأسباب المذكورة أعلاه مجتمعة تجعل من هذه الغابات والأحراج التي تشكل رئة سوريا الطبيعية هدفًا مستباحًا للحرائق التي تحدث بشكل متكرر. لذلك، يجب تطبيق استراتيجية شاملة تشمل:

  1. إعادة تفعيل منظومة الحماية الحراجية، والتشديد على تنفيذ العقوبات بحق المخالفين وتصنيف المخالفات كجرائم جنائية.
  2. تطبيق التقنيات الحديثة للإنذار المبكر.
  3. تعزيز التعاون الدولي والإقليمي.
  4. إشراك المجتمع المحلي في الحماية.
  5. تطبيق الحلول قصيرة الأمد العملية.

إن تبني هذه التوصيات بشكل متكامل سيسهم في حماية الغابات السورية وتقليل الخسائر البيئية والاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الحرائق.

المراجع

  1. San-Miguel-Ayanz, J., Durrant, T., Boca, R., Maianti, P., Liberta’, G., Jacome Felix Oom, D., Branco, A., De Rigo, D., Suarez-Moreno, M., Ferrari, D., Roglia, E., Scionti, N., Broglia, M., Onida, M., Tistan, A. and Loffler, P., Forest Fires in Europe, Middle East and North Africa 2023, Publications Office of the European Union, Luxembourg, 2024, doi:10.2760/8027062, JRC139704.
  2. حرب على غابات الساحل السوري… من يحرقها عمداً ؟ syriauntold.com.
  3. “الدعم الجوي لحرائق الساحل السوري تحت مجهر “الحقيقة verify-sy.com.
  4. حرائق غابات مبكرة في سورية تقنيات الإنذار المبكر وطرق الوقاية – المجلس” Syriansciencecouncil.org.
  5. Fraunhofer.de. “Fighting Forest Fires More Efficiently from The Air”.
  6. rea.ec.europa.eu. “Fighting the flames: EU-funded projects protecting forests from fire destruction”.
  7. efi.int. “Wildfire Prevention”.
  8. معدل إزالة الغابات في الأمازون البرازيلية ينخفض إلى أدنى مستوياته منذ تسع سنوات” . swissinfo.ch.
  9. geosynthetics.net.au. “Infraclay GCL Pond, Bund and Dam Liners”.
  10. حرائق الغابات تلتهم مساحة أكبر من دمشق وتشكل تحدياً للحكومة arabic.cnn.com.
  11. عوامل تعيق السيطرة على حرائق اللاذقية وسط تحذيرات aljazeera.net.